كانت خولة زوجة لابن عمها الصحابي أوس بن الصَّامت، وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه وضجر ولمم، واللّمم نوع من الجنون، وكان ضعيف البصر، فدخل على خولة يوماً فراجعته بشيءٍ، فغضب عليها وقال لها: «أنت عليَّ كظهر أمي» وكان ذلك القول في الجاهلية طلاقاً، وقيل كان الظِّهار في الجاهلية أشد الطّلاق وأحرم الحرام، وكان الرجل إذا ظاهر من امرأته لم يرجع أبداً، وكان ظهار أوس من خولة أول ظهار في الإسلام، ثم راودها أوس عن نفسها، فقالت له: كلا لا تصل إليَّ وقد قلت ما قلت حتى أسأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأسقط في يده، وقال لها: ما أراك إلا قد حَرُمْتِ عليَّ، انطلقي إلى رسول الله فاسأليه، فذهبت خولة إلى رسول الله وقصّت عليه قصتها مع أوس، فقال لها رسول الله: «ما أمرنا بشيءٍ من أمرك، ما أراك إلا قد حرمت عليه» فقالت: يا رسول الله، والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر الطلاق، وإنه أبو ولدي وأحبّ الناس إليَّ، فقال لها: «حَرُمت عليه» فقالت: أشكو إلى الله فاقتي وتركي بغير أحد، وقد كبرت سني ودقّ عظمي.
وقيل: قالت أللهم إني أشكو إليك شدة وحدتي وما شق عليَّ من فراقه، وما نزل بي وبصبيتي، ثم قالت: يا رسول الله إن أوساً تزوجني وأنا ذات مال وأهل، فلما أكل مالي، وذهب شبابي، ونفضت بطني، وتفرَّق أهلي، ظاهر مني، فما زادها رسول الله على قوله: «ما أراك إلا قد حرمت عليه» فبكت وصاحت: أشكو إلى الله فقري ووحدتي وصبية صغاراً، إن ضمهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا، ثم أخذت خولة ترفع رأسها إلى السماء، وقالت السيدة عائشة (رضي الله عنها) وكانت قد شهدت حوار خولة مع رسول الله: فبكيت وبكى من كان في البيت رحمة لها ورقة عليها، فبينما فرغت عائشة من تمشيط شق رأس رسول الله وأخذت تمشط الآخر، أنزل الله عليه قوله: {قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّه يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ* الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ* وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ* فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة 1 – 4] فَسُري عن رسول الله وهو يتبسم.
وقال لخولة: «مُريه فليحرر رقبة» فقالت: والله ماله خادم غيري، فقال: «مُريه فليصم شهرين متتابعين» فقالت: والله إنه لشيخ كبير، إنه إن لم يأكل في اليوم مرتين يندر بصره، فقال: «فليطعم ستين مسكيناً» فقالت: والله مالنا اليوم وقيّة فقال: «مُريه، فلينطلق إلى أم المنذر بنت قيس فليأخذ منها شطر وسق من تمر فليتصدق به على ستين مسكيناً وليراجعك». فذهبت إلى زوجها أوس وقصّت عليه قصة حوارها مع رسول الله، وما قاله لها رسول الله بعد نزول الآيات عليه، فانطلق أوس وفعل. وقيل: فقال لها النبي: «اذهبي فجيئي بزوجك» فذهبت فجاءت به وأدخلته على رسول الله، فقال له: «أتجد رقبة؟» قال: لا، ما لي بهذا من قدرة، قال: «أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» فقال: والذي بعثك بالحق إني إن لم آكل في اليوم مرتين كَلّ بصري. فقال: «أفتستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟» قال: لا، إلا أن تعينني بها. فأعانه رسول الله، فكفَّر عنه.
وفي رواية أنه أعطاه مكتلاً يأخذ خمسة عشر صاعاً، وقال له: «أطعمه ستين مسكيناً» فقال: على أفقر مني؟ فو الذي بعثك بالحقّ ما بين لا بتيها – يعني المدينة المنورة – أهل بيت أحوج إليه مني، فضحك رسول الله، وقال: «اذهب به إلى أهلك».
ومر عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بخولة في أيام خلافته، فقالت: قف يا عمر، فوقف لها، ودنا منها، وأصغى إليها، وأطالت الوقوف، وأغلظت القول له، وقالت: هيها يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميراً وأنت في سوق عكاظ ترعى الفتيان – أي الإماء والعبيد – بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرّعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فقال لها الجارود، وكان بصحبة عمر: قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين، فقال له عمر: دعها، وفي رواية فقال قائل لعمر: حبستَ الناس لأجل هذه العجوز، فقال عمر: ويحك أوتدري من هذه؟ قال: لا. فقال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها.
ومر عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بخولة في أيام خلافته، فقالت: قف يا عمر، فوقف لها، ودنا منها، وأصغى إليها، وأطالت الوقوف، وأغلظت القول له، وقالت: هيها يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميراً وأنت في سوق عكاظ ترعى الفتيان – أي الإماء والعبيد – بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرّعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فقال لها الجارود، وكان بصحبة عمر: قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين، فقال له عمر: دعها، وفي رواية فقال قائل لعمر: حبستَ الناس لأجل هذه العجوز، فقال عمر: ويحك أوتدري من هذه؟ قال: لا. فقال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها.