في الثاني والعشرين من يونيو عام 1883م، سفينة آتية من الهند ترسو في ميناء بورسعيد، ينزل منها محمد خليفة، عطشجي السفينة، يستقر بعدها في مدينة دمياط، حتى ثبت التحقيقات فيما بعد أنه كان حاملاً لوباء الكوليرا.
انتشر الوباء في ربوع مصر، حيث بلغ عدد المتوفيين في دمياط 1936، وفي الإسكندرية 1034، وفي شبين الكوم 1120، وحصلت القاهرة على نصيب الأسد، حيث بلغ عدد ضحايا المرض فيها وحدها 5664، وبلغ العدد النهائي لضحايا الوباء في القُطر المصري حوالي 60 ألف قتيل، بحسب كتاب «مصر والسودان» تأليف عبدالرحمن الرافعي.
في البداية، اختلفت الآراء في مصدره، فقال البعض إنه نشأ في دمياط نفسها لقلة العناية بالوسائل الصحية، وقال آخرون إنه وافد من الهند وهو الرأي الذى أيدته الملابسات، فقد أثبت التحقيق أن أحد ركاب البواخر البريطانية التي وصلت بورسعيد قادمة من الهند، نزل إلى البر وجاء إلى دمياط ولم يكد يصل إليها حتى ظهر الوباء فيها، وساعد على سريان عدواه بها رطوبة مناخها وكثرة ما فيها من الحواري الضيقة المتعرجة، ومرور خليج في وسطها يستقي منه سكانها، ويصل ماء النيل إلى الأراضي المجاورة لها، وكان سببا في زيادة الرطوبة في منازلها، هذا إلى ما كانت عليه حالة البلاد عامة من قلة الوسائل الصحية.
أجمعت البعثات الطبية التي جاءت إلى مصر لفحص هذا لوباء أنه وافد من الهند، سرى الوباء من دمياط إلى المدن الأخرى، وانتشر على الأخص في شربين والمنصورة وطلخا وسمنود والمحلة الكبرى وطنطا وزفتى وميت غمر والسنبلاوين ومنوف وكفر الزيات ودمنهور وكفر الدوار والإسكندرية ورشيد وبورسعيد والإسماعيلية والسويس والزقازيق، ثم القاهرة وبنها والجيزة وبنى سويف وأسيوط وجرجا وقنا.
بلغ عدد المتوفين من دمياط 1936 نفسًا، ومن الإسكندرية 1034، وشبين الكوم 1120، ومن القاهرة وحدها 5664، وقد هلع الناس إذ كانت ضحاياه تبلغ في بعض الأيام بالمئات، وكافحته الحكومة بكل ما لديها من الوسائل والاحتياطات.
كان المصريين مع كل صباح يترقبون فيما بين عوائلهم من سيصيبه المرض، والذي يؤدي إلى الوفاة مباشرة، نظرًا لعدم وجود أى إسعافات سريعة، وكانت حالة التداوي من الأمراض المنتشرة وقتها تعتمد على الوصفات واللجوء إلى الشيوخ وأعمال السحر، وفيما كان يحدث ذلك، كانت الحكومة -وحسب قول الرافعي- تكافح بكل ما لديها، حيث أنشأت لجانًا في القاهرة والإسكندرية ودمياط والمنصورة وغيرها لإسعاف المصابين وإرشادهم إلى طرق الوقاية.
انتشر انتشارًا مروعًا في الأحياء الآهلة بالسكان، ثم خفت وطأته في أواخر أغسطس وأمكن استئصاله في شهر ديسمبر سنة 1883، بعد أن بلغت ضحاياه في مختلف القطر 60 ألف، فكان من أخطر الأوبئة التي أصيبت بها البلاد.
Tags
هل تعلم